التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كانت مشكلة تمرد ألبانيا هي أعقد المشكلات التي واجهت محمد الفاتح، ولذلك قرر الفاتح أن يتوجه بنفسه بحملة كبيرة لاستعادة ألبانيا.
في الأعوام الثلاثة السابقة لعام 1466م، كانت المشكلات التي تواجه الدولة العثمانية كثيرة ومتعددة وعلى أكثر من جبهة، ولكن في بدايات عام 1466م وجد الفاتح أن هذه المشكلات قد تقلصت إلى حدٍّ كبير، حتى وصلت إلى اثنتين فقط، وإن كان الأمر يسمح أحيانًا بظهور مشكلات أخرى إلى جوارهما. هاتان المشكلتان هما ألبانيا والبندقية!
ولقد رأى الفاتح أن حدَّة الحرب مع البندقية قد فَتُرت كثيرًا في عام 1465م فشجعه هذا على فتح ملف ألبانيا بقوة، خاصة بعد الهزائم المتعددة التي حدثت لجيشه هناك في عام 1465م.
كانت مشكلة تمرد ألبانيا هي أعقد المشكلات التي واجهت محمد الفاتح في هذه المرحلة، بل لعلَّها أعقد المشكلات التي واجهته قاطبةً في كلِّ فترة حكمه؛ ولذلك كان لا بُدَّ من أخذ قراراتٍ حاسمةٍ ترفع من فرص نجاحه في السيطرة على التمرُّد.. قرَّر الفاتح بناءً على ذلك أن يتوجَّه بنفسه بحملةٍ همايونيَّةٍ كبيرةٍ لاستعادة ألبانيا وإنهاء أزمة إسكندر بك.
تحرَّك الفاتح بجيشٍ كبيرٍ اختلف المؤرِّخون الأوروبِّيُّون في تقدير عدده؛ فبينما ذكرت بعض المصادر أنَّه بلغ 30 ألف مقاتل[1]، ذكرت مصادر أخرى أنَّه وصل إلى مائة ألف جندي[2]، وإنْ كنت أرى أنَّ الرقم الأخير مبالغٌ فيه، خاصَّةً عند النظر إلى مجريات الأحداث بعد ذلك.
كان في ترك العاصمة ومركز الدولة نوع من المغامرة؛ إذ إن المنطقة المركزية ستكون قليلة الحماية، فلو حدث غزو من البندقية لبحر إيجة أو لليونان فإن الدفاع عنها سيكون صعبًا، ولكن الفاتح لم يكن متوقِّعًا عملًا عسكريًّا من البنادقة في هذا الوقت، ولذلك اكتفى بِتَرْكِ عمر بك والي تراقيا ومعه جزء من الجيش[3]، وتوجه بقواته الرئيسة إلى ألبانيا.
لم تكن وجهة الفاتح معلومة في بداية تحرُّكه من أدرنة، وكثرت الشائعات في أوروبا حول المكان الذي سيقصده الفاتح بحملته الهمايونيَّة، وافترض بعضهم أنَّه متَّجهٌ إلى البوسنة لاستعادة يايسي من المجر، وافترض آخرون أنَّه متَّجهٌ إلى صربيا لتدعيم قواعدها هناك، وقال فريقٌ ثالثٌ: إنَّه متَّجهٌ إلى ألبانيا لقمع تمرُّدها، واتَّجه فريقٌ رابعٌ إلى افتراض التوجُّه إلى نيجروبونتي في اليونان لحرب البندقية في مركزها الرئيس في بحر إيجة، بل قال فريقٌ خامسٌ: إنَّه سيتَّجه إلى أملاك البندقية في دالماسيا بكرواتيا لضرب البندقية في البحر الأدرياتيكي، وتشتيت قواها بين هذا البحر وبحر إيجة[4]. إنَّ هذه الشائعات كلَّها تعني شيئًا واحدًا؛ وهو ارتفاع درجة السرِّيَّة في حكومة الفاتح وجيشه، وأنَّه غير مخترقٍ بالجواسيس بأيِّ صورةٍ من الصور، وهي درجةٌ رفيعةٌ من التفوُّق العسكري، خاصَّةً إذا كان الجيش مكوَّنًا من أخلاطٍ مختلفة، وأعراقٍ متعدِّدة، ويُجْمَع من مملكةٍ واسعة الأطراف كالدَّولة العثمانيَّة آنذاك.
كان خروج الجيش من أدرنة أواخر أبريل 1466م، وفي بدايات مايو كان قد وصل إلى أوهريد بمقدونيا، واتَّضح بذلك أنَّه سيدخل إلى ألبانيا لحسم تمرُّدها؛ حيث كان الفاتح يرى أنَّ الحلَّ الوحيد لقمع هذا التمرُّد العنيف هو ضرب الرأس مباشرةً دون الدخول في صراعاتٍ جانبيَّةٍ كثيرة تنهك الجيش العثماني؛ ولذلك قرَّر أن يتَّجه مباشرةً إلى عاصمة إسكندر بك، وعاصمة ألبانيا منذ عام 1190م، وهي مدينة كرويه Krujë[5][6]، وهو قرارٌ صعبٌ لعدَّة أمور؛ منها أنَّ المدينة حصينةٌ للغاية، ومنها أنَّها في أقصى غرب ألبانيا، فمعنى قصدها أنَّه سيخترق ألبانيا كلَّها ممَّا يُعرِّض جيشه للخطر، ومنها أنَّها قريبةٌ من الساحل الأدرياتيكي؛ حيث تبعد عن مدينة دوريس Durrës الساحليَّة حوالي 40 كم فقط، علمًا أنَّ مدينة دوريس كانت تحت سيطرة البنادقة آنذاك، ومعنى هذا أنَّ المدد البندقي، والسَّاحلي بشكلٍ عامٍّ، سيكون قريبًا جدًّا من المدينة، ومنها أنَّها المعقل الرئيس لإسكندر بك، فلا شَكَّ أنَّه ترك بها خيرة حاميته، أو لعلَّه هو شخصيًّا يقود القتال من هناك، ومنها بالإضافة إلى كلِّ ذلك البعد التاريخي السلبي عند الفاتح! فذكريات الفاتح حول هذه المدينة غير سعيدةٍ بالمرَّة! لا شَكَّ أنَّه يذكر رحلته الأولى لهذه المدينة مع أبيه مراد الثاني عام (854هـ= 1450م)، في أواخر عهد أبيه، عندما اصطحبه الوالد في حملته الهمايونيَّة الكبرى لردع تمرد إسكندر بك، وكان الفاتح يومها في الثامنة عشرة من عمره، بينما كان إسكندر بك في الخامسة والأربعين من عمره، وكان متمرِّدًا قبل الحملة بسبع سنوات؛ أي منذ 1443م، ومع ضخامة حملة مراد الثاني ووليِّ عهده الأمير محمد، لم تنجح حملته في إسقاط المدينة، مع أنَّ الحصار استمرَّ أكثر من خمسة أشهر متَّصلة[7][8]! إنَّ هذه الذكريات المحزنة لا تُنسى؛ لأنَّ مرادًا الثاني عاد مهمومًا للغاية من هذه الرحلة، وما هي إلَّا شهورٌ ومات في أدرنة، فظلَّت مدينة كرويه حاضرةً بذكرياتها السيِّئة في ذهن الفاتح.
هذه المرَّة يأتي الفاتح بعد ستَّ عشرة سنةً كاملةً ليُحاول تحقيق حلمه بإسقاط المدينة، وكذلك تحقيق حلم أبيه ولو بعد وفاته!
مع كلِّ هذه الصعوبات إلَّا أنَّ الفاتح لم يكن متردِّدًا في قراره، والحقُّ أنَّ الفاتح كان يتميَّز بصفة الحسم والحزم في حياته، ولم يُشْتَهر عنه التردُّد قط، وكان مثالًا حيًّا لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]، وقد عزم الفاتح على التوجُّه إلى العاصمة العنيدة كرويه فلم يتردَّد، وليس بالضرورة بعد ذلك أن تنجح المهمَّة أو تفشل؛ إنَّما المهمُّ هو أن يكون قد بذل وسعه في الأمر، فنحن علينا العمل، وليس علينا إدراك النتائج.
كانت مدينة كرويه تقع على بعد مائة كيلو متر تقريبًا إلى الغرب من أوهريد المقدونيَّة، وهي تقع الآن على بعد عشرة كيلو مترات فقط شمال العاصمة الألبانيَّة الحاليَّة تيرانا؛ ولكن في هذا الوقت لم تكن تيرانا قد أُنشأت بعد، وكان مكان كرويه قد اختير بعناية (صورة رقم 7)؛ فهي تقع على ارتفاع 600 متر عن سطح البحر، وهذا الارتفاع يُوفِّر لها حمايةً طبيعيَّةً ضدَّ الجيوش الغازيَّة، فضلًا عن أنَّها تقع في سفح جبل كرويه، الذي يُحيط بالمدينة من ناحية الشرق، وأيضًا المدينة قريبةٌ من نهر إشيم Ishëm، حيث يجري في جنوبها وغربها، وهو نهرٌ يصبُّ في الأدرياتيكي[9]، ممَّا يجعل هناك سهولةً في الحركة النهريَّة بين المدينة والبحر، وهذا يُوفِّر لها اتِّصالًا آمنًا بالأدرياتيكي، خاصَّةً أنَّ المسافة ليست بعيدة؛ حيث تقع مدينة كرويه على بعد 40 كم فقط إلى الشرق من مدينة دوريس الساحلية، وقد أطلق العثمانيون على مدينة كرويه اسم «آق حصار»، وهي كلمة بالتركية تعني «القلعة البيضاء»، ولم أقف على السبب الذي من أجله سُمِيَّت كرويه بهذا الاسم عند الأتراك، وإن كنت قد رأيتُ بعض الصور لقلعة المدينة وهي في حضن الجبل وقت الشتاء، فكان كلُّ شيءٍ مُغَطًّى بالثلوج البيضاء، وكان الْمُشَاهِد من بعيد للمدينة بقلعتها الشامخة يراها قلعةً بيضاء! وعمومًا فكون الأتراك يُعبرِّون عن المدينة كلِّها باسم القلعة فهذا وحده كافٍ للدلالة على حصانة المدينة.
قرَّر الفاتح وهو على أبواب ألبانيا من شرقها أن يُقسِّم جيشه نصفين؛ نصف سيسير مع حوض نهر شكومبين Shkumbin، والنصف الآخر سيسير مع حوض نهر بلاك درين Black Drin، وبهذا سيصل الجيش العثماني إلى المدينة من جنوبها وشمالها، وهذا يُباغت المدينة من ناحية، كما أنَّه يُضلِّل العيون التي ترصد عدد الجيش من ناحيةٍ أخرى.
كان الفاتح يرقب كلَّ شيءٍ أثناء حركته من أوهريد إلى كرويه، ويأخذ قرارات تُحقِّق له النفع إمَّا الآن، وإمَّا مستقبلًا، في حال فشلت هذه الحملة، ومن هذه القرارات البارعة التي أخذها وهو في طريقه قرار بناء قلعةٍ حصينةٍ في منطقة الباسان Elbasan[10]، وهي منطقةٌ متوسِّطة في ألبانيا، وهي واقعةٌ في طريق حوض نهر بلاك درين الذي سار فيه الفاتح، وقد قرَّر الفاتح بناء هذه القلعة في موقعٍ اختاره بعناية؛ ليُقسِّم ألبانيا إلى نصفين شمالي وجنوبي، ومنها يستطيع الانطلاق إلى أيِّ مكانٍ بألبانيا، كما أنَّها تُمثِّل نقطة رجوع للجيوش العثمانيَّة في حالة انسحابها، بدلًا من الاضطرار إلى الانسحاب إلى أوهريد البعيدة، وقد أصدر أوامره فورًا ببناء القلعة، فجُمِعَت الموادُّ اللازمة، وخصَّص لها قطاعًا من المهندسين المصاحبين له، وأكمل طريقه إلى كرويه، وقد أنجز المهندسون العثمانيُّون العمل في وقتٍ قياسي؛ حيث بُنِيت القلعة الحصينة -التي ما زالت موجودة إلى الآن بعد ما يقرب من ستَّة قرون- في شهرٍ واحدٍ فقط[11][12]!
ومن القرارات التي أخذها الفاتح أيضًا أنه في طريقه قَطَعَ الغابات التي تعترض طريق الجيوش الكبيرة؛ ومِنْ ثَمَّ خَلَقَ طُرُقًا واسعةً ممهَّدةً يُمكن أن تستوعب الجيوش العثمانيَّة في الحملات القادمة؛ بدلًا من الالتفاف حول الغابات، أو الدخول في مسالكها الصعبة التي قد لا تخلو من كمائن[13].
بوغِت إسكندر بك بالجيش العثماني الكبير يقترب من كرويه في عمق الأراضي الألبانيَّة، فقرَّر أن ينسحب إلى الجبال الشماليَّة حول مدينة شقودرة Shkodër المهمَّة التَّابعة للبندقيَّة آنذاك[14]، ثم قام إسكندر بك بإجراءٍ ذكيٍّ يُحقِّق فائدتين؛ وهو ترحيل عددٍ كبيرٍ من سكَّان مدينة كرويه والقرى التي حولها إلى إيطاليا على متن عدَّة سفن[15]؛ وذلك كلاجئين نتيجة احتلال البلد، والفائدة الأولى من هذا الإجراء: هو التخلُّص من تبعيَّة حماية هذا العدد من المدنيين؛ فهذا سيحميهم من القتل أو الاسترقاق، وسيُوفِّر عليه جهد الدفاع عنهم، وتخصيص حاميات لذلك، أمَّا الفائدة الثانية: فهي الضغط المعنوي على أمراء إيطاليا ونبلائها، ومن قبلهم البابا بول الثاني، وهو يحتاج إلى دعمهم أشدَّ الاحتياج.
وصل الفاتح إلى مدينة كرويه ليضرب حولها الحصار العثماني الثاني في تاريخ هذه المدينة، وكان الأول هو الذي مرَّ بنا في حياة مراد الثاني عام (854هـ= 1450م)؛ أي منذ ستَّة عشر عامًا كاملة. كانت بداية الحصار في منتصف يونيو 1466م[16]، وكان إسكندر بك قد ترك في القلعة 4400 مقاتلٍ للدفاع عنها[17]، ومن أوَّل أيَّام الحصار بدأ قذف المدينة بالمدافع[18].
لم يكن الأمر سهلًا؛ فالمدينة مرتفعةٌ وحصينة، والعثمانيُّون لم يحملوا معهم المدافع الثقيلة جدًّا لبُعد المسافة بين كرويه وأدرنة (ما يزيد على ستمائة كيلومتر)، والفرقة المدافعة عن الحصن احترافيَّة، ولهذا استمرَّ القصف طويلًا دون فائدةٍ تُذكر!
ظلَّ الوضع كما هو عليه لمدَّة شهرٍ أو أكثر[19]، ولم يدخل الفاتح في أيِّ صداماتٍ ميدانيَّة، أو معارك مفتوحة؛ وذلك لتمركز إسكندر بك في الجبال، وعدم خروج الحامية الألبانيَّة قط من حصونها المنيعة، وشعر الفاتح أنَّ وجوده مدَّةً طويلةً حول الحصون لن يُحقِّق فائدةً تُذكر، خاصَّةً أنَّ الحصار الأوَّل الذي كان في عهد مراد الثاني، لم ينجح في فتح الحصون لمدَّةٍ تزيد عن خمسة أشهر، كما أنَّ الفاتح لم يكن مطمئنًا لترك مركز دولته دون قيادة، لأنَّ الوضع في بحر إيجة وجنوب اليونان لم يكن آمنًا، وعودة البندقية لتعويض خسائرها الأخيرة أمرٌ محتمل.
لهذه الاعتبارات قرَّر الفاتح الانسحاب من الحصار بفرقة من جيشه تعود معه إلى أدرنة، وفي الوقت نفسه سيترك فرقةً أخرى تُكمل الحصار لأنَّ الأمر يحتاج إلى مطاولةٍ وصبر، وسيترك أيضًا فرقةً أخرى في القلعة الجديدة التي بناها في الباسان لمحاولة الحفاظ على ما حقَّقته الحملة من نتائج بدلًا من البداية من الصفر في الحملات القادمة، وهكذا كانت القرارات التي أخذها الفاتح في أواخر يوليو 1466م على النحو التالي:
القرار الأوَّل: تَرْكُ 18 ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة تحت قيادة بالابان لاستكمال حصار كرويه إلى أجلٍ غير مسمَّى[20].
القرار الثاني: تَرْكُ أربعمائة جندي في قلعة الباسان، وستكون مهمَّتهم القيام بحملاتٍ عسكريَّةٍ متتالية في مناطق ألبانيا المختلفة، وكذلك دفع القوَّات الألبانيَّة في حال نزولها من الجبال، وبالطبع لن تدخل هذه الفرقة الصغيرة في حروبٍ واسعةٍ لصغر حجمها؛ ولكن سيكون عملها أشبه ما يكون بعمل الميلشيات العسكريَّة الصغيرة التي تُمارس حروب العصابات[21].
القرار الثالث: إنشاء إقطاعيَّة زراعيَّة (تيمار) في شرق ألبانيا، وإلحاقها بسنجق دبرة العثماني Dibra، الذي يُدير منطقة كوسوڤو جنوب صربيا، وإعطاء هذه الإقطاعيَّة لبعض نبلاء كوسوڤو، وبعض المقاتلين الذين أبلوا بلاءً حسنًا في المعارك؛ وذلك لتقوية دوافع الاستقرار في هذه المنطقة، ومجابهة نفوذ إسكندر بك هناك[22].
القرار الرابع: ذكرت بعض المصادر المقدونيَّة أنَّ الفاتح قد خلع أسقف أوهريد وهو في طريق عودته إلى أدرنة، ونفاه هو وعددٌ من كتبته؛ وذلك لمعاونتهم لإسكندر بك أثناء حملته على مقدونيا، وكذلك أثناء حملات بالابان في العام السابق[23]، وهذا في الحقيقة إجراءٌ متوقَّع؛ لأنَّ العهد الذي كان بين أهل مقدونيا والدولة العثمانيَّة ينصُّ على عدم التعاون مع أعداء الدولة العثمانيَّة نظير الحماية التي يُقدِّمها العثمانيُّون للتَّابعين، وكان الفاتح يهدف بهذا الإجراء الحاسم لفت نظر المقدونيِّين إلى أنَّ التسامح الديني الذي تُقدِّمه الدولة العثمانيَّة لا يعني التَّراخي في شأن أمنها واستقرارها.
القرار الخامس: هو محاولة التواصل الدبلوماسي مع مملكة نابولي Naples الإيطاليَّة لإبداء الميول العثمانيَّة السِّلميَّة معها، وبالتالي منعها من التعاون العسكري مع إسكندر بك، وقد تقَّبل فرديناند الأول Ferdinand I ملك نابولي السفارة بهدوء، ويبدو أنَّها تركت عنده أثرًا إيجابيًّا؛ لأنَّ مساعداته لإسكندر بك كانت محدودةً للغاية[24]، وبهذا كانت هذه السفارة عملًا ذكيًّا من الفاتح قلَّص من فرص المدد الخارجي لإسكندر بك.
بعد أخذ هذه القرارات وتنفيذها عاد الفاتح في نهايات الصيف إلى أدرنة، وبالتالي هدأت الأمور في ألبانيا، وإن كان الجيش العثماني ما زال محاصرًا مدينة كرويه ولكن دون الدخول في معارك ميدانيَّة؛ لأنَّ الجيوش كانت لا تُقاتل عادةً في الشتاء، خاصَّةً في ألبانيا المرتفعة؛ حيث تشهد ثلوجًا كثيفةً منذ بداية فصل الشتاء.
في العموم لم تكن الحملة ناجحة، فقد أُنفق فيها وقتٌ وجهدٌ، فضلًا عن المال، خاصة أن نقل الجيوش عبر هذه المسافات البعيدة يكون باهظ الثمن، ولهذا فإن الفاتح لم يكن سعيدًا بهذه النتائج، على الرغم من أنه مهَّد الطريق لكي تكون الحملات القادمة أسهل.
ولم تكن هذه النتائج المخيبة هي المشكلة الوحيدة التي قابلت الفاتح في هذا الصيف الصعب، صيف عام 1466م، فلقد واجهته مشكلة أخرى كبيرة، وهي أن البندقية استغلت خروج الفاتح إلى ألبانيا، فأخرجت أسطولًا عسكريًّا لمهاجمة المورة وجزر بحر إيجة في غياب السلطان، وكان هذا تغييرًا لسياسة البندقية في العام الماضي، والذي كان يميل إلى اتخاذ تدابير السلام مع الدولة العثمانية عن طريق تهدئة الأجواء، ولذلك كان هذا التصعيد مفاجِئًا للفاتح، ولهذا التصعيد خلفية يُفضَّل أن نطَّلع عليها.
لم تُحقِّق البندقية نجاحات تُذكر في حروبها مع الدولة العثمانيَّة منذ بدأت الحرب في عام (867هـ= 1463م)، اللهمَّ احتلال جزيرة ليمنوس في مدخل الدردنيل، وهذا أدَّى إلى تكوين فريقين في مجلس الشيوخ البندقي؛ أحدهما يُنادي بإعادة مباحثات السلام مع السلطان الفاتح، والآخر يُنادي بالتصعيد، وإرسال جيشٍ قويٍّ يُعيد للبندقيَّة هيبتها، وفي فبراير 1466م انتُخِب ڤيتوري كابيللو Vettore Cappello رئيسًا عامًّا للبحريَّة البندقية، وهو أعلى منصبٍ في الأسطول البندقي، ويُعطيه حريَّة التصرُّف في كامل الأسطول، وكان هذا الرجل هو أشدُّ المتحمِّسين قاطبةً للحرب ضدَّ الدولة العثمانيَّة؛ ومِنْ ثَمَّ نشطت من جديد فكرة استكمال الحرب بعد هبوطها في عام 1465م[25].
وافق مجلس الشيوخ البندقي على طلب ڤيتوري بالحرب، وبالفعل انطلق بأسطوله من ڤينيسيا Venice في أبريل 1466م، بينما كان محمد الفاتح يتجه بجيشه إلى ألبانيا، ونزل من فوره إلى المدن التي تُسيطر عليها البندقية في شبه جزيرة المورة لتحصينها، وهي مدن مودون، وكورون، وليبانتو، كما حصَّن جزيرة نيجروبونتي Negroponte المهمَّة، ومنها انطلق لشمال بحر إيجة؛ فتمكَّن من احتلال جزر إمبروس، وثاسوس، وساموتراس، وكل هذه الجزر كانت تدار بواسطة الأمير البيزنطي ديمتريوس، وكان من الواضح أن حاميتها ضعيفة، مما أدى إلى هذا السقوط المفاجئ. لم يكتفِ ڤيتوري بهذا الإنجاز إنما نزل بجيشه برًّا في شبه جزيرة المورة، وقام بحملة على مدينة أثينا المهمة في 12 يوليو 1466م، فنجح في البداية في إسقاط شمالها، لكنه فشل في اقتحام قلعتها، وصمدت الحامية العثمانية[26].
في هذه الأثناء كان هناك جيشٌ آخر بندقيٌّ برئاسة بارباريجو Barbarigo، وهو المراقب البندقي لمنطقة شبه جزيرة المورة، يتَّجه لحصار مدينة باتراس Patras، وهي عاصمة إقليم المورة، وفيها الحامية العثمانيَّة الرئيسة. حاصر بارباريجو مدينة باتراس عدة أيام؛ ولكنَّه فوجئ بقدوم جيش عمر بك والي المورة العثماني بفرقة فرسانٍ قوامها اثنا عشر ألف فارس، التي تمكَّنت من إلحاق هزيمةٍ كبيرةٍ بجيشه، بل قُتِل بارباريجو نفسه في المعركة[27].
على الجانب الآخر فإن ڤيتوري يئس من فتح أثينا، فتركها واتجه بجيشه شمالًا للحاق ببارباريجو ليساعده على فتح باتراس. وصل ڤيتوري إلى باتراس أواخر يوليو 1466م فوجد جيش بارباريجو ممَّزقًا! دخل ڤيتوري من فوره في معركة شديدة مع جيش عمر بك، ولكن كتب الله النصر للجيش العثماني، وشُتِّت جيش البندقية، وأُسِر أكثر من ثمانمائة جنديٍّ بندقي، واستطاع ڤيتوري الهرب بأعجوبة إلى مركز البندقية في بحر إيجة وهي جزيرة نيجروبونتي. كان ڤيتوري في أشدِّ حالات حزنه واكتئابه، حتى يقول أحد معاصريه، وهو مارينو سانودو Marino Sanudo: «إنَّه لم يضحك قط بعد هذه الهزيمة حتى موته بسكتةٍ قلبيةٍ بعد الهزيمة بعدَّة شهور في مارس 1467م»[28]!.
هزت الهزيمة البندقية، وأسرعت بطلب إجراء مباحثات سلام مع الدولة العثمانية. طلب السلطان الفاتح تسليم الجزر التي احتلتها البندقية حتى يتم السلام. رفضت البندقية فأنهى السلطان المباحثات، وعزم على استكمال الحرب[29].
دخل الشتاء فتوقفت الحروب على كل الجبهات، واستغلَّ إسكندر بك هذه الفترة في القيام برحلةٍ طويلةٍ إلى إيطاليا بهدف جمع التبرُّعات والمدد العسكري بُغية استمرار المقاومة الألبانيَّة، وقد بدأ هذه الرحلة في أكتوبر 1466م، وأنهاها في فبراير 1467م؛ أي ما يقرب من خمسة أشهر كاملة، ومع طول المدَّة التي قضاها إسكندر بك هناك، ومع الحفاوة التي استقبلوه بها، إلَّا أنَّه لم يعد منها بشيءٍ يُذكر[30][31][32]! ونحتاج أن نقف وقفةً لنفهم هذا التقاعس الإيطالي غير المفهوم عن نصرة إسكندر بك في هذا الظرف!
كان الوضع السياسي والاقتصادي في إيطاليا في هذا التوقيت -أعني النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي- فريدًا للغاية، ومعقَّدًا أشدَّ التعقيد! لقد قُسِّمت إيطاليا في هذه الفترة إلى خمسة عشر كيانًا سياسيًّا مستقلًّا! وكان كلُّ كيانٍ من هذه الكيانات يعتمد على جيشٍ خاصٍّ به، وفي هذا الزمن الذي كان فيه المرتزقة هم الأساس في الجيوش العصريَّة صارت هذه الكيانات السياسيَّة قويَّةً للغاية مهما كان حجمها صغيرًا، خاصَّةً أنَّ هذه الكيانات كانت غنيَّةً جدًّا؛ ومِنْ ثَمَّ صارت قِبلةً لكلِّ المرتزقة الراغبين في الثَّراء، ولم يكن عجيبًا أن ترى جمهوريَّةً أو مملكةً في إيطاليا لا تتكوَّن إلَّا من مدينةٍ واحدةٍ وعدَّة قرى حولها، حتى عُرِف هذا الزمن بزمن «دويلات المدن» city-states، وكان الوضع أقرب ما يكون بما رأيناه في تاريخنا في عصر ملوك الطوائف بالأندلس، وكان مصدر الثراء في هذه الدويلات الصغيرة راجعًا إلى التِّجارة الواسعة التي يُمارسونها، وكذلك إلى التصنيع؛ حيث كانت إيطاليا قد بدأت عصر نهضتها، وكذلك إلى نشأة البنوك العصريَّة؛ حيث كانت البداية في إيطاليا، ومن ثَمَّ تكدَّست بها أموال النبلاء والأفراد في كلِّ أوروبا.
وليس عجيبًا في ظلِّ هذا التمزُّق السياسي الكبير أن تتكوَّن الأحلاف بين هذه الدويلات الصغيرة والدول الكبرى في المنطقة، وليس عجيبًا كذلك أن تنشأ الصراعات بين كلِّ جارين، وأن يُحاول الجميع أن يحتفظ بما يُسمَّى «ميزان القوى» ثابتًا دون اهتزاز في هذه الفترة المعقَّدة من تاريخ إيطاليا.
وإذا أضفنا إلى كلِّ ذلك أنَّ عصر النهضة الإيطاليَّة كان مصحوبًا بانخفاض قوَّة تأثير البابا، وأنَّ الملوك والأمراء كانوا يُحاولون الخروج من قبضته، وعدم الانصياع لأوامره، فإنَّ هذا البُعد سيزيد الأمور تعقيدًا؛ حيث صار البابا نفسه طرفًا في الصراع بدلًا من أن يكون جامعًا للكلمة، أو وسيطًا عند اختلاف الرأي أو الصدام، وليس أدلَّ على ذلك من نشأة دويلاتٍ خاصَّةٍ مستقلَّةٍ للبابا يحكمها بشكلٍ مباشر، وهي التي عُرِفت «بالدويلات الباباويَّة» Papal states، التي كان يُمكن أن تدخل في صراعٍ عسكريٍّ أو سياسي مع دويلةٍ أخرى مجاورةٍ أو بعيدة.
ولا شَكَّ أنَّ قوَّة هذه الدويلات كانت متباينة؛ حيث صار بعضها عظيمًا للغاية، ومنافسًا للقوى العالميَّة، بينما كان بعضها الآخر صغيرًا جدًّا لا تأثير له إلَّا في المنطقة المحلِّيَّة التي نشأ بها.
ويُمكن أن نحصر في هذه السطور هذه القوى بإيجاز؛ لأنَّ الاطِّلاع على أسمائها سيكون مفيدًا في فهم الأحداث، سواءٌ في هذه المرحلة التاريخيَّة، أم في المراحل القادمة من تاريخ الدولة العثمانيَّة(خريطة رقم 10):
1. جمهوريَّة البندقية Republic of Venice: وهي أقوى الجمهوريَّات الإيطاليَّة قاطبة، وتُسيطر على الشمال الشرقي من البلاد، وتملك أقوى أسطول في العالم، وهي من أغنى دول الأرض آنذاك، ولها ممتلكاتٌ كثيرةٌ في سواحل دالماسيا بكرواتيا، وكذلك في سواحل ألبانيا، فضلًا عن جزر البحر الأدرياتيكي والأيوني، وبحر إيجة، وكذلك البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى أنَّها صاحبة علاقاتٍ تجاريَّةٍ ودبلوماسيَّةٍ واسعة مع معظم دول العالم، وكانت جمهوريَّة البندقية في صدامٍ مع الدولة العثمانيَّة -كما مرَّ بنا كثيرًا في الصفحات السابقة- ولكنَّها كانت على وفاقٍ إلى حدٍّ كبيرٍ مع البابا بول الثاني الذي كان بندقيًّا هو الآخر[33]، وهذه الأصول البندقية للبابا جعلت بقيَّة جمهوريَّات وممالك إيطاليا تتوجَّس منه، ممَّا سيُؤثِّر في استجابتها لآرائه ورغباته.
2. الدولة الباباويَّة Papal State: وكانت تقع في وسط إيطاليا، وكأنَّها دولةٌ فاصلةٌ بين الجنوب والشمال، وهذا كان يحدُّ من النزاعات المتوقَّعة بين الدويلات الجنوبيَّة والدويلات الشماليَّة في إيطاليا، وكانت الدولة الباباويَّة قويَّة، وغنيَّة، ولها جيشها الخاص، فضلًا عن تبعية الكرادلة والقساوسة من كلِّ الدويلات الإيطاليَّة، ممَّا كان يُعطيها مركزًا سياسيًّا قويًّا في هذه المنظومة الفريدة من العلاقات، وكان مركز هذه الدولة في روما، وكانت في المرحلة التي نحن بصدد تحليلها -أعني عام 1466م- تصل في الشمال إلى مدينة بولونيا؛ أي بدايات الشمال الإيطالي.
3. مملكة نابولي Naples: وهي مملكةٌ مستقلَّةٌ كانت تحكم الجنوب الإيطالي كلَّه في هذه المرحلة، وكانت تحت حكم الملك فرديناند الأول، أحد الأقطاب الرئيسة في السياسة الإيطاليَّة آنذاك، ومملكة نابولي بموقعها المقابل لألبانيا من الناحية الأخرى للأدرياتيكي كانت تُمثِّل قوَّةً مهمَّةً في الصراع مع العثمانيِّين، كذلك كانت وجهة مطلوبة لإسكندر بك لقوَّتها وثرائها، فضلًا عن قربها من السواحل الألبانيَّة.
4. جمهورية فلورنسا Republic of Florence: وهي من الجمهوريَّات القديمة كذلك، وتقع في وسط إيطاليا إلى الغرب من الدولة الباباويَّة، وهي من أهم الجمهوريات التي شهدت نهضةً في هذه الفترة، وكانت على خلافٍ دائمٍ مع جمهوريَّة البندقية.
5. جمهوريَّة چنوة Republic of Genoa: وكانت من الجمهوريَّات البحريَّة صاحبة الشأن في العالم؛ ولكن في هذه المرحلة التاريخيَّة كانت تمرُّ بأسوأ فتراتها، ومع كونها تمتلك عددًا من المستعمرات في العالم، ومنها ما هو في البحر الأسود إلى جوار الدولة العثمانيَّة، إلَّا أنَّها كانت في مرحلة اضمحلال، وهذا لا شَكَّ سيترك آثاره على تاريخ الدولة العثمانيَّة كما سيتبيَّن من سياق الأحداث.
هذه الكيانات الخمسة السابقة كانت أقوى الكيانات في شبه الجزيرة الإيطاليَّة، وكانت كلُّها ذات تأثيرٍ مباشرٍ في تاريخ الدولة العثمانيَّة..
يُضاف إلى هذه الكيانات الخمسة ثلاثة كيانات قويَّة أخرى؛ لكنَّها لم تكن فاعلة في الأحداث الخاصَّة بنا، وهي:
6. مملكة صقلية (Sicily): ومقرُّها الجزيرة المعروفة في البحر الأبيض المتوسط، وعاصمتها بالرمو Palermo، وكانت تحت حكم چون الثاني John II، وهو ملك أراجون Aragon الإسبانيَّة.
7. دوقيَّة ميلانو (Milan): في شمال إيطاليا إلى الغرب من البندقية، وكانت على صراعٍ معها.
8. دوقيَّة ساڤوي (Savoy): وهي دوقيَّةٌ كبيرةٌ في أقصى الشمال الغربي لإيطاليا، وكانت تضمُّ مساحاتٍ من شرق فرنسا، وعاصمتها آنذاك هي مدينة تشامبري Chambéry، وهي في فرنسا الآن.
هذه هي الكيانات الثانية الرئيسة في إيطاليا، ولاستكمال الصورة نذكر الكيانات السبعة المتبقِّية هناك، التي لم تكن لها سوى تأثيرٍ محلِّيٍّ فقط داخل إيطاليا:
9. جمهوريَّة سيينا Siena.
10. دوقيَّة مودين Moden.
11. دوقيَّة مانتوا Mantua.
12. دوقيَّة فيرارا Ferrara.
13. ماركيزيَّة سالوزو Saluzzo.
14. جمهوريَّة لوكا Lucca.
15. إقطاعيَّة منتفيرات Montferrat.
هذه هي الكيانات الخمسة عشر التي تشغل شبه الجزيرة الإيطاليَّة آنذاك، ولا شَكَّ أنَّ هذا الوضع المعقَّد كان رحمةً من الله بالدولة العثمانيَّة؛ حيث كان من الصعب جدًّا عليهم أن يتوحَّدوا في حربٍ صليبيَّةٍ ضدَّها؛ فقد كانت تمزِّقهم الخلافات السياسيَّة، ولكلِّ واحدٍ منهم حساباته الخاصَّة به[34][35].
وعودة إلى إسكندر بك ورحلته إلى إيطاليا في شتاء 1466م..
بناءً على التحليل السابق الذي استعرضنا فيه الدويلات الإيطاليَّة المتقاسمة للسلطة في هذه المنطقة، كان من المنطقي أن يجعل إسكندر بك وجهته إلى ثلاث دويلات فقط في هذه المنظومة المتداخلة؛ وهي جمهوريَّة البندقية، والدولة الباباويَّة، ومملكة نابولي، فهذه هي الدويلات التي ترتبط بشكلٍ أو آخر بالوضع في ألبانيا والدولة العثمانيَّة، وهي الحكومات التي تملك من القوَّة ما يُمكن أن تُؤثِّر به في الأحداث، أمَّا جمهوريَّة فلورنسا فإنَّها لم تكن معنيَّةً جدًّا بأحداث الحرب، فضلًا عن علاقاتها الجيِّدة حديثًا مع الدولة العثمانيَّة كما أشرنا قبل ذلك، وأمَّا جمهوريَّة چنوة، فعلى الرغم من كونها ممتلِكة لمستعمرات في البحر الأسود فإنَّها كانت من الضعف بمكان؛ حيث تحتاج إلى المساعدة بدلًا من تقديمها.
جعل إسكندر بك وجهته الأولى إلى فرديناند الأول ملك نابولي الذي لم يتحمَّس لمساعدة الزعيم الألباني، وكان اعتذاره المبدئي بسبب الخلافات التي لم تُحسم بعد بينه وبين جيرانه الإيطاليِّين، بينما يرى بعض المؤرِّخين أنَّ سبب تقاعسه هو خوفه من ميول البابا البندقي الأصل إلى البندقية، وبالتالي لا يُريد أن يستنزف قوَّته مع ألبانيا خوفًا من ميل كِفَّة البندقية في إيطاليا[36].
وعلى عكس ما توقَّع إسكندر بك جاء الردُّ فاترًا من البندقية كذلك؛ حيث تردَّدت هي الأخرى في المساعدة، ويبدو أنَّها لم تكن تُريد استنزاف قوَّتها في ألبانيا، خاصَّةً بعد هزيمتها في شبه جزيرة المورة من العثمانيِّين صيف هذا العام، حتى عندما جاءت الأخبار من شمال ألبانيا -حيث الممتلكات البندقية- أنَّ العثمانيِّين قاموا بعدَّة حملات على المدن البندقية هناك، لم تتحرَّك البندقية، ولم تكترث كثيرًا بوجود إسكندر بك في إيطاليا طالبًا العون[37].
أخيرًا اتَّجه إسكندر بك إلى روما لمقابلة البابا بول الثاني، وعلى الرغم من حفاوة استقبال الكرادلة له، وتعاطفهم الكبير معه، فإنَّه لم يخرج من مقابلة البابا بشيءٍ يُذكر، وكان البابا بول الثاني يرفض بشكلٍ عامٍّ إخراج حملةٍ صليبيَّةٍ لمحاربة العثمانيِّين، ويميل إلى مباحثات التهدئة، بل يرى أنَّ خطر مملكة نابولي على الدولة الباباويَّة وإيطاليا أشدُّ من خطر العثمانيِّين أنفسهم[38]!
كان من الواضح أنَّ أوروبا لن تُخرِج حملةً صليبيَّةً في هذه الظروف؛ ومِنْ ثَمَّ سعى إسكندر بك للدعم المادِّي، حيث يُمكن أن يستخدم هذا المال في تأجير المرتزقة، وشراء السلاح والبارود، وتقوية الحصون، ودعم اللاجئين، وغير ذلك من أمور الحرب، وقد تلقَّى وعودًا من الأطراف الثلاثة؛ البابا، وملك نابولي، ورئيس جمهورية البندقية، التي بلغت أرقامًا ضخمةً في بداية الأمر؛ حيث وعد البابا برصد نصف مليون دوكا لمساعدة ألبانيا، ثم ما لبث المبلغ أن تضاءل مع المجالس الكنسيَّة المتتابعة التي أُجريت أثناء زيارة إسكندر بك، حتى وصل الأمر إلى 7500 دوكا فقط! وأكثر من هذا، أنَّ هذا المبلغ الزهيد لن تدفعه الدولة الباباويَّة؛ إنَّما طلب البابا من ملك نابولي أن يُعطيه لإسكندر بك خَصْمًا من ضريبةٍ يدفعها ملك نابولي للكنيسة في روما[39]! والأنكر من كلِّ ذلك أنَّ إسكندر بك عاد لزيارة ملك نابولي ليأخذ هذا المبلغ القليل فلم يُعطِه الملك إلَّا ألف دوكا فقط[40]!
إنَّها زيارةٌ فاشلةٌ بكلِّ معنى الكلمة!
عاد إسكندر بك إلى ألبانيا في فبراير 1467م، ومع شعوره بالإحباط، وتبخُّر آمال حملةٍ صليبيَّةٍ كبرى تُنهي الوجود العثماني في ألبانيا، إلَّا أنَّه استكمل استعداده للصدام مع العثمانيِّين قبل أن يأتي الصيف؛ لأنَّه كان متوقِّعًا أن يُرسل السلطان محمد الفاتح دعمه الجديد أوائل الصيف بعد أن تذوب الثلوج؛ ومِنْ ثَمَّ اجتهد في جمع الأنصار من نبلاء ألبانيا، كما استطاع أن يتوافق مع قادة المدن الألبانيَّة المملوكة للبنادقة في الشمال الغربي للبلاد، وجمع منهم بعض المقاتلين تجاوزوا 13 ألف جندي[41].
توجَّه إسكندر بك بقوَّته إلى كرويه، وبعد مناوشاتٍ واستدراج التقي الجيشان في حربٍ ميدانيَّةٍ كبيرةٍ كان النصر فيها حليفًا لإسكندر بك، بل إنَّ القائد العثماني بالابان استُشهد في المعركة، وحُوصِر الجنود العثمانيُّون في معسكرهم، ثم استطاع بعضُهم الهرب، وقُتِل منهم عددٌ كبير[42]، ويبدو أنَّ القتال في هذه الأجواء الباردة مع طول انتظار الحامية العثمانيَّة حول أسوار كرويه لمدَّةٍ تزيد على عشرة أشهر، كان سببًا في إنهاك الجيش العثماني، وحدوث الهزيمة بهذا الشكل المؤسف.
دخل إسكندر بك مدينة كرويه في يوم 23 أبريل 1467م بعد حصار عشرة أشهر كاملة، وكان لهذا الانتصار الألباني أصداءٌ واسعة، ونتائجٌ كبيرة، وقد رصد المؤرخ الألباني الشهير كريستو فراشيري Kristo Frashëri بعض هذه الأصداء على النحو التالي:
أوَّلًا: ارتفعت أسهم إسكندر بك في ألبانيا، وأدَّى هذا إلى زيادة عدد قوَّاته، وانضمَّ كثيرٌ من الشباب الصغير إلى معسكره.
ثانيًا: حقَّقت أنباء الانتصار الألباني أصداءً واسعةً في إيطاليا، ومع ذلك لم يُرسل زعماء الدويلات الإيطاليَّة دعمًا عسكريًّا أو ماديًّا؛ إنَّما اكتفوا برسائل التهنئة!
ثالثًا: الجمهوريَّة الإيطاليَّة الوحيدة التي أبدت إيجابيَّة في إمكانيَّة التعاون هي البندقية، ومع ذلك فإنَّها كانت متردِّدة؛ حيث كانت تُفَضِّل الدخول في مباحثات سلام؛ ولكنَّها لم تصل إلى اتِّفاقٍ مُرْضٍ مع الفاتح؛ ولذلك أبدت استعدادها للمشاركة في دعم ألبانيا.
رابعًا: آثرت المجر أن تبقى على الحياد على الرغم من سرورها بالانتصار الألباني الأخير.
خامسًا: لم يكن الوضع العسكري والاقتصادي في ألبانيا مطمئنًا، فعلى الرغم من الانتصار، وعلى الرغم من الخسائر العثمانيَّة، فإنَّ الوضع ما زال حرجًا؛ فقد تهدَّمت كثيرٌ من الحصون، واستُنزِفت كثيرٌ من الموارد، وأُنهِكت الجيوش، وكان المراقبون للحدث يتوقَّعون استغلال العثمانيِّين لهذه الحالة الصعبة التي وصلت إليها البلاد بسبب الحملة العثمانيَّة الطويلة.
سادسًا: لم تترك الحامية العثمانيَّة في قلعة الباسان أماكنها، وحاول الألبان بقيادة إسكندر بك نفسه اقتحام القلعة؛ ولكنَّهم فشلوا في ذلك أكثر من مرَّة؛ وذلك لنقص المدفعيَّة[43].
هكذا انتهت هذه الحملة بهذه الصورة المأسويَّة، وصار الحصار الثاني لكرويه مجرَّد حلقة من حلقاتٍ كثيرةٍ من مسلسل الصراع العثماني الألباني، الذي كانت الغلبة فيه حتى هذه اللحظة للمتمرِّدين الألبان في معظم الأحيان، وبدا واضحًا أنَّ المهمَّة عسيرة، بل لعلَّها أعسر مهامِّ الدولة العثمانيَّة في كلِّ فترة حكم الفاتح رحمه الله، وقد أظهر الحصار الأخير مدى التفاوت الذي يُمكن أن يتعرَّض له القائد في فترات حياته المختلفة؛ فالفاتح الذي أسقط حصون القسطنطينية البيزنطيَّة المنيعة في أقلَّ من شهرين، لم يستطع أن يُسقِط حصون كرويه الألبانيَّة في أكثر من عشرة شهورٍ كاملة، على الرغم من أنَّه لا مقارنة بين أسوار أحصن مدينةٍ في العالم آنذاك، وأسوار مدينةٍ مغمورةٍ غير معروفةٍ إلَّا على النطاق الألباني؛ لكن هكذا تجري الأمور، ولقد تحدَّثنا قبل ذلك عن التيسيرات الربَّانيَّة في فتح القسطنطينية، فلعلَّ الله عز وجل أراد للفاتح وجيشه وشعبه ألَّا يغترُّوا بهذا العمل الكبير، وليعلموا أنَّ الحياة انتصارات وهزائم، ونجاحات وفشل، والمهمُّ هو ترك الإحباط، وإكمال العمل، والتوكُّل على الله، والأخذ بالأسباب، وهو ما كان يفعله الفاتح رحمه الله؛ إذ كان دومًا ينفض عن نفسه غبار الحزن والألم، ويستكمل مسيرة الجهاد.
كان وقع الهزيمة مؤلمـًا على الفاتح، وكان القرار المنطقي السريع الذي أخذه هو الإعداد فورًا لحملةٍ جديدةٍ قويَّةٍ لغزو ألبانيا[44]؛ وذلك تعويضًا للخسارة، واستعادةً للهيبة، وفي الوقت نفسه لإنقاذ الحامية العثمانيَّة المحصورة في قلعة الباسان وسط ألبانيا.
لم يأخذ الفاتح أكثر من شهرين لإعداد جيشٍ كبيرٍ لإعادة الكرَّة، وقرَّر أن يخرج بنفسه على رأس هذه الحملة أيضًا، بل استصحب معه الصدر الأعظم محمود باشا، دلالةً على عِظَم اهتمامه بالأمر؛ إذ كان من المعتاد أن يتولَّى كلُّ واحدٍ منهما مهمَّةً في مكان، ولكن أن يخرج الاثنان للحملة نفسها فهذا يعني خطورة المسألة في رؤية الفاتح.
وصل الفاتح إلى ألبانيا في بدايات صيف 1467م، وعلى عكس سياسة إسكندر بك السابقة من الانسحاب المباشر إلى الجبال إذا به يُقرِّر في هذه المرَّة أن يلتقي مباشرةً مع الجيش العثماني في معركةٍ ميدانيَّة، وكان من الواضح أنَّ الروح المعنويَّة العالية التي حقَّقها الجيش الألباني في انتصاره السابق دفعته لمثل هذا القرار، أمَّا الفاتح فكانت وجهته الأولى هي قلعة الباسان؛ وذلك لإنقاذ الحامية العثمانيَّة هناك، ولهذا التقى الجيشان في منطقة بيرشيك Burshek، وهي في حوض نهر شكومبين قريبًا من الباسان. كان اللقاء سِجَالًا، ولم يكن فيه منتصرٌ ولا مهزوم، ولم يكن إسكندر بك يهدف من وراء الصدام إلَّا تعطيل الجيش العثماني فقط ليُعطي فرصةً لأهل المنطقة أن ينسحبوا للجبال، ثم انسحب هو بدوره إلى الجبال نفسها. أرسل الفاتح عدَّة دوريَّات عسكريَّة في المنطقة: كانت الأولى بقيادة الصدر الأعظم محمود باشا، وكان هدفها تعقُّب إسكندر بك في الجبال، وقد أخذت هذه الدوريَّة أسبوعين في البحث عن المتمرِّد الألباني؛ ولكنَّها فشلت في ذلك فعادت دون جدوى، وكانت الدوريَّات الأخرى إلى المدن الساحليَّة التابعة للبندقيَّة، وأهمها مدينة دوريس؛ حيث كانت مهمَّةُ هذه الدوريَّات الحصارَ المؤقَّت لها لمنع الميلشيات البندقية من النزول لمساعدة الجيش الألباني، أمَّا الفاتح فقد اتَّجه بنفسه إلى مدينة كرويه الحصينة لرؤية الوضع هناك بعد الحصار الماضي[45].
حاصر الفاتح المدينة لعدَّة أيَّام، ولكنَّه أدرك أنَّ الوضع لن يختلف كثيرًا عن مثيله في العام السابق، ولذلك آثر عدم الاستمرار في الحصار حفاظًا على طاقة جيشه؛ ومِنْ ثَمَّ رفع الحصار عن المدينة[46].
مع أنَّ الفاتح لم يمضِ عليه وقتٌ طويلٌ في هذه الحملة فإنَّه قرَّر الرجوع سريعًا إلى إسطنبول؛ ولعل السبب في ذلك هو إدراكه لصعوبة المهمَّة في ظلِّ الأجواء المتشبِّعة بالمقاومة نتيجة الانتصار الألباني السابق، ولكونه استفاد من تجربة العام السابق فأدرك أنَّ مدينة كرويه لن تسقط بأدوات الحصار العاديَّة، ولهذا فهذه الحملة تعدُّ كذلك من الحملات غير الناجحة؛ حيث لم تحقق هدفها، بل تكبَّدت خسائر كبيرة، على الأقل في الجهد والوقت والمال، ومع ذلك فقد وَقَفْتُ على سببٍ آخر قد يكون مهمًّا في تبرير سرعة عودته إلى عاصمته؛ وهو وصول المعلومات بأنَّ الطاعون قد ضرب منطقة تراقيا بكاملها[47]، ومن المعروف أنَّ الطاعون في ذلك الزمن كان يحصد الأرواح حصدًا، فأراد الفاتح أن يكون قريبًا من الأحداث لاتِّخاذ الإجراءات اللازمة.
عاد الفاتح إلى مركز دولته لكنَّه لم يدخل إسطنبول ولا تراقيا بكاملها؛ خوفًا من إصابة جيشه بالطاعون، وهذا هو التصرُّف الأمثل في مثل هذه الظروف؛ فقد روى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ -أي بالطاعون- بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»[48]. وهكذا اتَّجه الفاتح بجيشه إلى ساحل البحر الأسود في بلغاريا في المناطق الريفيَّة هناك، وظلَّ يُتابع الأخبار بالرسل التي تأتي إليه كلَّ يومٍ من إسطنبول[49]، ولم يعد الفاتح إلى إسطنبول إلَّا بعد انتهاء فصل الشتاء كلِّه؛ أي في بدايات العام 1468م، بعد أن اطمأنَّ لانتهاء الطاعون كليًّا من المنطقة[50].
كانت عودة الفاتح إلى إسطنبول حزينة؛ حيث قد اجتمع عليه الأمران الشديدان: موت عددٍ كبيرٍ من شعبه في الطاعون، وعدم قدرته على كسر تمرد ألبانيا، ومع ذلك فإنَّه من رَحِمِ المعاناة يُولد الأملُ والفَرَج؛ فقد وصلته الأنباء فور وصوله للبلاد بالخبر الذي أراح الدولة العثمانيَّة كلَّها، وهو وفاة إسكندر بك المتمرِّد الألباني في يوم السابع عشر من يناير 1468م[51][52].
هكذا مات واحدٌ من أعتى أعداء الدولة العثمانيَّة، ولا شَكَّ أنَّ موته أحدث فراغًا كبيرًا في منطقة ألبانيا، وسيبني الجميع حساباته وفقًا للمعطيات الجديدة، وهذا لن يُؤثِّر في ألبانيا فقط؛ بل في دول المنطقة كلِّها[53].
[1] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978, p. 252.
[2] Frashëri Kristo Gjergj Kastrioti Skënderbeu: jeta dhe vepra, 1405–1468 [Book]. - [s.l.] : Botimet Toena, 2002, p. 423.
[3] Babinger, 1978, p. 258.
[4] Frashëri, 2002, p. 423.
[5] Norris Harry Thirlwall Islam in the Balkans: religion and society between Europe and the Arab world [Book]. - [s.l.] : University of South Carolina Press, 1993, p. 35.
[6] Kritovoulos History of Mehmed the Conqueror [Book] / trans. Riggs Charles T.. - [s.l.] : Greenwood Press, Westport, Connecticut, 1954, p. 148.
[7] Housley Norman The Later Crusades 1274-1580 [Book]. - New York, USA : Oxford University Press, 1992, p. 90.
[8] محمد بك فريد تاريخ الدولة العلية العثمانية [كتاب] / المترجمون تحقيق: إحسان حقي. - بيروت، لبنان : دار النفائس، 1981م صفحة 159.
[9] Gibb Hamilton Alexander Rosskeen [et al.] The Encyclopaedia of Islam [Book]. - Leiden, The Netherlands : Brill.,1970, vol. 10, p. 285.
[10] Kritovoulos, 1954, pp. 214-215
[11] Noli Fan Stilian George Castrioti Scanderbeg (1405–1468) [Book]. - New York, USA : International Universities Press, 1947, p. 331.
[12] يلماز أوزتونا تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/153.
[13] Schmitt Oliver Jens Skanderbeg: Der neue Alexander auf dem Balkan (in Germany) [Book]. - Regensburg, Germany : Verlag Friedrich Pustet, 2009, p. 380.
[14] Schmitt, 2009, p. 374.
[15] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press,, 2009, p. 110 .
[16] Frashëri Kristo Gjergj Kastrioti Skënderbeu: jeta dhe vepra, 1405–1468 [Book]. - [s.l.] : Botimet Toena, 2002, p. 431.
[17] Noli, 1947, p. 330.
[18] Freely, 2009, p. 110 .
[19] Babinger, 1978, p. 260.
[20] Setton, 1976, vol. 2, p. 279.
[21] Hodgkinson Harry Scanderbeg.. From Ottoman Captive to Albanian Hero [Book]. - London, UK : Centre for Albanian Studies, 1999, p. 212.
[22] Frashëri, 2002, p. 431.
[23] Shukarova Aneta [et al.] History of the Macedonian People [Book] / ed. Chepreganov Todor. - Skopje : Institute of National History., 2008, p. 133.
[24] Frashëri, 2002, p. 451.
[25] Setton, 1976, vol. 2, pp. 283-284.
[26] Miller William Essays on the Latin Orient [Book]. - [s.l.] : Cambridge University Press, 1921, p. 350.
[27] Babinger, 1978, p. 258.
[28] Setton, 1976, vol. 2, pp. 283-285.
[29] Freely, 2009, p. 112.
[30] Schmitt, 2009, p. 395.
[31] Frashëri, 2002, p. 448.
[32] Freely, 2009, p. 111.
[33] Bower Archibald The History of the Popes [Book]. - London, UK : Printed by author, 1766, vol. 7, p. 296.
[34] Kohl Benjamin G. and Smith Alison Andrews Major Problems in the History of the Italian Renaissance Major problems in European history series [Book]. - [s.l.] : D.C. Heath and Company., 1995.
[35] Najemy John M Italy in the Age of the Renaissance: 1300–1550 (The Short Oxford History of Italy) [Book]. - [s.l.] : Oxford University Press, 2005.
[36] Frashëri, 2002, p. 419.
[37] Schmitt, 2009, p. 393.
[38] Frashëri, 2002, p. 445.
[39] Frashëri, 2002, p. 449.
[40] Frashëri, 2002, p. 451.
[41] Franco Demetrio Comentario de le cose de' Turchi, et del S. Georgio Scanderbeg, principe d' Epyr [Book]. - Venice : Altobello Salkato, 1480, pp. 344-345.
[42] Frashëri, 2002, p. 454.
[43] Frashëri, 2002, pp. 455-457.
[44] Noli, 1947, p. 335.
[45] Stavrides Theoharis The Sultan of vezirs : the life and times of the Ottoman Grand Vezir Mahmud Pasha Angelovic (1453-1474) [Book]. - Leiden : Brill Academic Publishers, Inc, 2001, pp. 163-164.
[46] Setton, 1976, vol. 2, p. 283.
[47] Kritovoulos, 1954, pp. 221-222.
[48] البخاري: كتاب الطب، باب ما يُذكر في الطاعون (5398)، ومسلم: كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (2219) واللفظ له.
[49] Kritovoulos, 1954, p. 222.
[50] Babinger, 1978, p. 263.
[51] Noli, 1947, p. 38.
[52] أوزتونا، 1988م صفحة 1/154.
[53] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ= 2019م، 1/ 470- 487.
التعليقات
إرسال تعليقك